الجمعة، 15 يوليو 2022

على أعتاب زيارة بايدن، وعقد قمّة جدّة.

على أعتاب زيارة بايدن، وعقد قمّة جدّة.

بينا نحن نشاهد ونسمع تحليلات القنوات الفضائية والوكالات العالمية عن أغراض زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الشرق الأوسط وعقد قمّة جدّة مع قادة الخليج وإسرائيل والعراق، ومن قبلها ما عشناه من إرهاصات ترسيخ مشروع الديانات الإبراهمية وتسارع الخطى تجاه تطبيع دول الخليج مع إسرائيل.. فهو لا يتورع اليوم عن ذكر الغرض الأساس من عقد هذه القمّة، وهو إنشاء حلف شرق أوسطي على غرار حلف الناتو لمواجهة النظام الإيراني وثنيّه عن مشروعه النووي.

 شاهدتُ قبل يومين مقطع فديوي –سأرفقه في التعليق- للشيخ الكويتي السلفي فلاح مندكار (ت: 2020) وهو يذكر الحديث المروي بطريق ذي مخمر –أو ذي مخبر- عن النبي (صلى الله عليه وآله) ويفسره بتفسير مغاير عمّا يفسره الآخرون، ويطبّقه على التحركات الأخيرة للغرب والعرب، إذ سيكون هناك صلحًا عامًّا آمنًا بين اليهود والنصارى والمسلمين لمقاتلة عدو واحد مشترك قبل ظهور المهدي المنتظر، لا يمكن أن يخرج المهدي إلّا وقد حدث هذا الصلح، ويقول إنّ علمائنا قديمًا كلهم كانوا ينصّون على أنه لا يوجد عدو مشترك إلّا (الرافضة).

أثارني تفسير الشيخ ودفعني لمراجعة بعض الأحاديث المنقولة عن النبي والتي أخذت اهتمام كثير من العراقيين، وأنا منهم، أيام غزو أمريكا للعراق في العام 1991م عندما كنا نقرأ بشغف وتلهف لأيام الإمام المهدي الموعود (ع) بعد أن انتشر كتاب عصر الظهور للشيخ الكوراني، وغيره من الكتب التي كانت تروّج في تلك الفترة بغرض بعث الأمل في نفوس المنتظرين.

كنا نقارن ونطبّق فحوى الروايات على الأحداث التي كانت تتسارع بنا آن ذاك، وكنا نعايش أمل الخلاص من نظام صدام الفاشي، ونتطلع لاقتراب أيام ظهور الامام المهدي (ع) وكأنها بعد أيام أو شهور قليلة. وما أنْ مرت الشهور والسنين وبقاء صدام جاثمًا على صدورنا، حتى بدأ الأمل بالاضمحلال، ولربما التلاشي شيئًا فشيئًا، بل أصبح من يتكلم بعصر الظهور يُقابَل بالاستهزاء والإنكار من الآخرين!

 وتمضي سنون أخرى، ويأتي عهد الألفية الثالثة، وها هو التحشيد الأمريكي يظهر من جديد لإسقاط نظام صدام، تتسارع الأحداث وتهبّ عواصف التغيير ثانية، تظهر التنظيمات المتطرفة لتزيد من مظاهر عهد الهرج والمرج الموعودون به أن يحدث قبل ظهور الإمام (ع)، فيعود أمل الخلاص بقوةٍ أيامَ ظهور تنظيم داعش وسماعنا لأول مرة باسم مدينة (درعا) المذكورة في الروايات، ويزيد على ذلك، تحقق دخول روسيا لحلبة الصراع في سوريا، وهو ما ذكره الشيخ الكوراني في تفسيراته لبعض الأحاديث التي تذكر (أخوان الترك) حين أسقط هذه التسمية على الروس..

وهنا تأخذنا إسقاطات الأحداث مرة أخرى لنخمّن بأنّ أيام ظهور (السفياني) قد اقتربت، ولربما هو أحد أفراد داعش، أو أحد قادة بلدان الشام، ولكن ما أن استطاع العراقيون من القضاء على التنظيم، حتى تلاشت أحلام ظهور السفياني معه!

 غير أنّ دولاب تسارع الأحداث يأبى أنْ يبارحنا أمل اقتراب عصر الظهور.. فقبل عامين أو أكثر، اشتدت اصطفافات الغرب وإسرائيل لتتوحد في مواجهة المد الإيراني في المنطقة، فيصطف معهم -من دون وجل أو خجل- عرب الخليج المطبّعين والذين سيطبعون مع إسرائيل؛ لأنهم يعتقدون -من جانب- بأنّ عدوّهم واحد وأنّ مصالحهم مشتركة في التخلص منه، ومن جانب آخر يعتقدون بأنهم موعودون بهذا التحالف لمحاربة هذا العدو قبيل ظهور الإمام المهدي، لا سيما أصحاب التوجه السلفي والوهابي الذين يؤلون لحديث (ذي مخمر الحبشي) أهميةً.   

يُنقل هذا الحديث في كثير من كتب الحديث المعتمدة (سوى الصحيحين)، وأول من نقله نعيم بن حماد المروزي (ت: 228هـ) في كتابه الفتن، ثم أحمد بن حنبل (ت: 241هـ) في كتابه المسند مع بعض التغيير في الألفاظ([1])، وكذا عند أبي داوود (ت: 275هـ) في كتاب السنن([2])، وابن حبان (ت: 354هـ) في صحيحه([3]). وينقله كذلك كثير من المحدّثين اللّاحقين، وقد صحح الحديث الحاكم النيسابوري على شروط البخاري ومسلم، وصححه من المعاصرين الألباني وغيره.. وجميعهم ينقلون الحديث في باب الملاحم وباب ما يختص بالإمام المهدي (ع).

ما نص هذا الحديث؟

نصّه برواية نعيم بن حماد، ينقل عن ذي مخبر عن الرسول (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «تُصالحون الرومَ عشر سنين صلحًا آمِنًا، يَفونَ لكم سنتين ويغدرون في الثالثة، أو يفونَ أربعًا ويغدرون في الخامسة، فينزل جيشٌ منكم في مدينتهم فتنفرونَ أنتمْ وهُمْ إلى عدوٍ من ورائهم، فيفتح اللهُ لكم، فتُنصرونَ بما أصبتم من أجرٍ وغنيمةٍ، فتنزلونَ في مرجٍ ذي تلولٍ  فيقول قائلكم: اللهُ غلبَ، ويقولُ قائلهم: الصليبُ غلبَ، فيتداولونها ساعةً فيغضبُ المسلمون وصليبهم منهم غير بعيدٍ فيثور المسلم إلى صليبهم فيدقّهُ فيثورون إلى كاسرِ صليبهم فيضربونَ عنقهُ فتثورُ تلك العصابة من المسلمين إلى أسلحتهم، ويثور الروم إلى أسلحتهم، فيقتتلونَ فيكرم الله تلك العصابة من المسلمين فيستشهدون، فيأتون ملكهم فيقولون: قد كفيناك حد العرب وبأسهم فماذا تنتظر؟ فيجمع لكم حَمْل امرأة ثم يأتيكم في ثَمانِينَ غَايَةً، تحت كل غاية إثنا عشر ألفًا»([4]).

ونصّه برواية أحمد بن حنبل: «تُصالِحونَ الرُّومَ صلحًا آمِنًا؛ وتَغْزونَ أنتم وهُمْ عدُوًّا مِن ورائِهم؛ فتَسْلمونَ وتَغْنَمونَ، ثم تَنزِلون بمَرْجٍ ذي تُلولٍ، فيقوم إليه رجلٌ من الروم، فيرفع الصليب ويقولُ: أَلَا غلَبَ الصليبُ؛ فيقوم إليه رجلٌ مِنَ المسلِمينَ فيقتله؛ فعِندَ ذلك تَغْدِرُ الرُّومُ وتَكُونُ المَلاحِمُ، فَيَجْتَمِعُونَ إلَيكُمْ فيأتونَكُمْ في ثَمانِينَ غَايَةً مع كلِّ غَايَةٍ عشرَةُ آلافٍ». وكذا عند الآخرين تزيد أو تنقص كلمات الحديث.

الملاحظ أنّ ابن حماد عندما ينقل هذا الحديث يضعه ضمن أحداث ما بعد ظهور الإمام المهدي (ع)، وكذلك فعل الشيخ الكوراني في كتابه معجم أحاديث الإمام المهدي، حين جعله في باب الأحداث التي تحصل بعد ظهور الإمام (ع)، وفي كتابه عصر الظهور عندما نقل حديثًا مشابهًا عن حذيفة بن اليمان، يذكر أنّ الإمام (ع) هو الذي يقوم بعقد الهدنة مع الروم ومن بعدها يغدرون به([5]).

غير أنّ البحث أوصلني إلى كتاب المقدسي (عقد الدرر في أخبار المنتظر)، وهو من أعلام المذاهب الإسلامية في القرن السابع الهجري، فوجدته يضع بعد حديث ذي مخبر مباشرة رواية أخرى لابن حماد كان قد نقلها في كتابه الفتن قبل أن ينقل حديث ذي مخبر بفاصل كبير في ترتيب الكتاب، وعندما تتدبر في هذه الرواية الطويلة –ثمان صفحات تقريبًا- تجدها وكأنها تفصيل مطنب للأحداث التي يذكرها ذي مخبر، قد يكون حدوث بعضها قبل ظهور الإمام، ويمتد بعضها الآخر إلى ما بعد ظهوره (ع)([6])، وكأن المقدسي يخبرنا بأنه قد كان قاصدًا بوضع هذا الترتيب، وغالب الظن أنّ كل متدبّر في فحوى الرواية سيفعل ما فعله المقدسي، اقتضاءً لتسلسل الأحداث المستشف من جمع الروايتين إلى بعضهما.

المثير في مطلع هذه الرواية، كأنه يخبرنا بأنّ الاسم الصريح لهذا العدو المشار إليه في رواية ذي مخبر، هو بلاد (فارس)!

يقول ابن حماد: «حدثنا أبو عمر -صاحب لنا من أهل البصرة- ثنا ابن لهيعة عن عبد الوهاب بن حسين عن محمد بن ثابت عن أبيه عن الحارث الهمداني عن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: يكون بين المسلمين وبين الروم هدنة وصلح حتى يقاتلوا معهم عدوًا لهم، فيقاسمونهم غنائمهم، ثم إنّ الروم يغزون مع المسلمين فارس فيقتلون مقاتلتهم ويسبون ذراريهم، فيقول الروم: قاسمونا الغنائم كما قاسمناكم، فيقاسمونهم الأموال وذراري الشرك، فتقول الروم: قاسمونا ما أصبتم من ذراريكم، فيقولون: لا نقاسمكم ذراري المسلمين أبدًا، فيقولون: غدرتم بنا، فترجع الروم إلى صاحبهم بالقسطنطينية فيقولون: إنّ العرب غدرت بنا ونحن أكثر منهم عددًا وأتم منهم عدة وأشد منهم قوة، فأمدّنا نقاتلهم، فيقول: ما كنت لأغدر بهم قد كانت لهم الغلبة في طول الدهر علينا، فيأتون صاحب روميه فيخبرونه بذلك، فيوجه ثمانين غياية تحت كل غياية اثنا عشر ألفًا...» ([7]).

لم أجد من ينقل هذه الرواية في كتب الحديث المعتبرة، سوى ما رواه نعيم بن حماد، وينقلها عنه كل من ابن العديم الحلبي (ت: 660هـ) في كتابه (بغية الطلب في تاريخ حلب)([8])، والمقدسي (ت: ق7) المشار إليه سابقًا، كما أنني لم أجد تعليقًا لأحدٍ على مدى صحة الحديث من لا صحته، إلّا أنّ الشيخ علي الكوراني عندما ينقله في كتابه المعجم علّق عليه بأنه مما يتعلّق بفتح القسطنطينية الذي تم وتحقق قبل خمسة قرون، وإلّا فإنه من الموضوعات. كما في قوله: «يظهر أن هذا الحديث يتعلق بفتح القسطنطينية الذي كان يطمح إليه المسلمون حتى تم قبل نحو خمسة قرون، وقد أوردناه وأمثاله لان فيه ذكر نزول عيسى عليه السلام، وخروج الدجال، وإلّا فأمره ظاهر أنه من الموضوعات من تأثير الصراع بين المسلمين والروم البيزنطيين. نعم هو يؤيد أنّ مسألة الترابط بين فتح عاصمة كبيرة للروم وبين خروج الدجال على أثره»([9]).

ولا أعلم ما الدافع الذي جعل الشيخ الكوراني ينكر فحوى الرواية، أيكون قد تحقق من توثيق الحديث بالطرق العلمية وتوصل إلى ضعفه، أو أنه استبعد وروده عن النبي (صلى الله عليه وآله) بدافع عاطفي مع البلد الذي يعيش فيه، وكرهه لمجرد التفكير باحتمالية تحقق نبوءة ما فيه. إذ لم يرد في التاريخ أنّ مسلمي العرب قد تعاونوا مع الروم في فتح القسطنطينية، ولم يرد أيضًا تعاونهم معًا في قتال فارس من قبل.    


النتــــائج:

- قد تكون زيارة بايدن الحالية إلى الشرق الأوسط وعقده لقمة جدة مقدمة للتعاون المشترك (أو التصالح) بين اليهود والنصارى وبعض مسلمي العرب الذي جاء في الحديث أعلاه.

- قد تتعرض إيران لحرب قادمة ينتصر فيها الحلف المزعوم إنشاؤه.

- تقصي البحث للحديثين أعلاه كان على عجالة، وهو بحاجة إلى مراجعة أكثر، ولم يكن إلّا من باب الأمل باقتراب ظهور الإمام (عجل الله فرجه وفرجنا بظهوره)




[1]-  أحمد بن حنبل (ت: 241هـ)/مسند احمد، دار صادر– بيروت، 4/91.

[2]- أبو داود: سليمان بن الأشعث السجستاني(ت: 275هـ)/ سنن أبي داود، تحقيق: سعيد محمد اللحام، دار الفكر-بيروت،ط1، 2/312.

[3]- ابن حبان: محمد بن حبان بن أحمد بن حبان التميمي (ت: 354هـ)/صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان،تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة،  15/101.

[4]-  نعيم بن حماد المروزي(ت: 228هـ)/كتاب الفتن، تحقيق: سهيل زكار، دار الفكر- بيروت، 1993م،  ص298.

[5]-  ظ: علي الكوراني العاملي/عصر الظهور، ط11،  ص249.

[6]- ظ: المقدسي: يوسف بن يحيى بن علي بن عبد العزيز المقدسي الشافعي السلمي(ت: ق7)/ عقد الدرر في أخبار المنتظر، تحقيق:  عبد الفتاح محمد الحلو، ط1، 1979م، ص204-212، نعيم بن حماد/الفتن/ ص268، 297-298.

[7]- نعيم بن حماد/الفتن، ص259 وما بعدها، راجع الرواية كاملة.

[8]- ابن العديم: الصاحب كمال الدين عمر بن أحمد بن أبي جرادة (ت: 660هـ)/ بغية الطلب في تاريخ حلب، تحقيق: سهيل زكار، دمشق، 1988م، 1/500 وما بعدها.

[9]-  علي الكوراني/معجم أحاديث الإمام المهدي(ع) مؤسسة المعارف الاسلامية، ط1، 1411هـ، 1/368..

[10]-  نعيم بن حماد المروزي(ت: 228هـ)/كتاب الفتن، تحقيق: سهيل زكار، دار الفكر-بيروت، 1993م،  259-261.




 

لمن يرغب بقراءة نص الحديث الثاني كاملًا، فهذا نصه:

نعيم ابن حماد: حدثنا أبو عمر -صاحب لنا من أهل البصرة- ثنا ابن لهيعة عن عبد الوهاب بن حسين عن محمد بن ثابت عن أبيه عن الحارث الهمداني عن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: يكون بين المسلمين وبين الروم هدنة وصلح حتى يقاتلوا معهم عدوًا لهم، فيقاسمونهم غنائمهم، ثم إنّ الروم يغزون مع المسلمين فارس فيقتلون مقاتلتهم ويسبون ذراريهم، فيقول الروم: قاسمونا الغنائم كما قاسمناكم، فيقاسمونهم الأموال وذراري الشرك، فتقول الروم: قاسمونا ما أصبتم من ذراريكم، فيقولون: لا نقاسمكم ذراري المسلمين أبدًا، فيقولون: غدرتم بنا، فترجع الروم إلى صاحبهم بالقسطنطينية فيقولون: إنّ العرب غدرت بنا ونحن أكثر منهم عددًا وأتم منهم عدة وأشد منهم قوة، فأمدّنا نقاتلهم، فيقول: ما كنت لأغدر بهم قد كانت لهم الغلبة في طول الدهر علينا، فيأتون صاحب روميه فيخبرونه بذلك، فيوجه ثمانين غياية تحت كل غياية اثنا عشر ألفًا في البحر، ويقول لهم صاحبهم: إذا رسيتم بسواحل الشام فأحرقوا المراكب لتقاتلوا عن أنفسكم، فيفعلون ذلك، ويأخذون أرض الشام كلها برها وبحرها ما خلا مدينة دمشق والمعنق ويخربون بيت المقدس.

قال: فقال ابن مسعود: وكم تسع دمشق من المسلمين؟

قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لتتسعن هذا على من يأتيها من المسلمين كما يتسع الرحم على الولد.

قال: قلت: وما المعنق يا نبي الله؟ قال: جبل بأرض الشام من حمص على نهر يقال له الأرنط، فتكون ذراري المسلمين في أعلى المعنق والمسلمون على نهر الأرنط والمشركون خلف نهر الأرنط، يقاتلونهم صباحًا ومساءً، فإذا أبصر ذلك صاحب القسطنطينية وجه في البر إلى قنسرين ستمائة ألف حتى تجيئهم مادة اليمن سبعين ألفا ألّف اللهُ قلوبهم بالإيمان معهم أربعون ألفًا من حِميَر حتى يأتوا بيت المقدس، فيقاتلون الروم فيهزمونهم ويخرجونهم من جند إلى جند حتى يأتوا قنسرين وتجيئهم مادة الموالي.

قال: قلتُ: وما مادة الموالي يا رسول الله؟

قال: هم عتاقتكم، وهو منكم قوم يجيئون من قبل فارس فيقولون تعصبتم يا معشر العرب لا نكون مع أحد من الفريقين أو تجتمع كلمتكم، فتقاتل نزار يومًا واليمن يومًا والموالي يومًا، فيخرجون الروم إلى العمق وينزل المسلمون على نهر يقال له كذا وكذا..

يعزى والمشركون على نهر يقال له الرقية وهو النهر الأسود، فيقاتلونهم فيرفع الله تعالى نصره عن العسكرين وينزل صبره عليهما حتى يقتل من المسلمين الثلث ويفر ثلث ويبقى الثلث، فأما الثلث الذين يقتلون فشهيدهم كشهيد عشرة من شهداء بدر يشفع الواحد من شهداء بدر لسبعين وشهيد الملاحم يشفع لسبعمائة، وأما الثلث الذين يفرون فإنهم يفترقون ثلاثة أثلاث: ثلث يلحقون بالروم ويقولون لو كان لله بهذا الدين من حاجة لنصرهم وهم مسلمة العرب بهراء وتنوخ وطئ وسليح، وثلث يقولون منازل آبائنا وأجدادنا خير لا تنالنا الروم أبدًا مروا بنا إلى البدو، وهم الأعراب، وثلث يقولون إنّ كل شيء كاسمه، وأرض الشام كاسمها الشؤم فسيروا بنا إلى العراق واليمن والحجاز حيث لا نخاف الروم، وأما الثلث الباقي فيمشي بعضهم إلى بعض يقولون الله الله دعوا عنكم العصبية ولتجتمع كلمتكم وقاتلوا عدوكم فإنكم لن تنصروا ما تعصبتم، فيجتمعون جميعًا ويتبايعون على أن يقاتلوا حتى يلحقوا بإخوانهم الذين قتلوا.

فإذا أبصر الروم إلى من قد تحول إليهم ومن قتل ورأوا قلة المسلمين، قام رومي بين الصفين معه بند في أعلاه صليب فينادي غلب الصليب غلب الصليب، فيقوم رجل من المسلمين بين الصفين ومعه بند فينادي بل غلب أنصار الله بل غلب أنصار الله وأولياؤه، فيغضب الله تعالى على الذين كفروا من قولهم غلب الصليب، فيقول يا جبريل أغث عبادي فينزل جبريل في مائة ألف من الملائكة ويقول يا ميكائيل أغث عبادي، فينحدر ميكائيل في مائتي ألف من الملائكة، ويقول يا إسرافيل أغث عبادي، فينحدر إسرافيل في ثلاثمائة ألف من الملائكة وينزل الله نصره على المؤمنين، وينزل بأسه على الكفار فيقتلون ويهزمون ويسير المسلمون في أرض الروم حتى يأتوا عمورية وعلى سورها خلق كثير يقولون ما رأينا شيئا أكثر من الروم، كم قتلنا وهزمنا وما أكثرهم في هذه المدينة وعلى سورها، فيقولون آمنونا على أن نؤدي إليكم الجزية.

فيأخذون الأمان لهم ولجميع الروم على أداء الجزية وتجتمع إليهم أطرافهم، فيقولون يا معشر العرب إنّ الدجال قد خالفكم إلى دياركم، والخبر باطل، فمن كان فيهم منكم فلا يلقين شيئًا مما معه فإنه قوة لكم على ما بقي، فيخرجون فيجدون الخبر باطلًا، ويثب الروم على ما بقي في بلادهم من العرب فيقتلونهم حتى لا يبقى بأرض الروم عربي ولا عربية ولا ولد عربي إلّا قتل، فيبلغ ذلك المسلمين فيرجعون غضبًا لله عز وجل فيقتلون مقاتلتهم ويسبون الذراري ويجمعون الأموال لا ينزلون على مدينة ولا حصن فوق ثلاثة أيام حتى يفتح لهم، وينزلون على الخليج ويمد الخليج حتى يفيض فيصبح أهل القسطنطينية يقولون الصليب مد لنا بحرنا والمسيح ناصرنا، فيصبحون والخليج يابس فتضرب فيه الأخبية ويحسر البحر عن القسطنطينية ويحيط المسلمون بمدينة الكفر ليلة الجمعة بالتحميد والتكبير والتهليل إلى الصباح ليس فيهم نائم ولا جالس.

فإذا طلع الفجر كبّر المسلمون تكبيرة واحدة فيسقط ما بين البرجين، فتقول الروم إنما كنا نقاتل العرب فالآن نقاتل ربنا وقد هدم لهم مدينتنا وخربها لهم، فيمكثون بأيديهم ويكيلون الذهب بالأترسة ويقتسمون الذراري حتى يبلغ سهم الرجل منهم ثلاثمائة عذراء ويتمتعوا بما في أيديهم ما شاء الله ثم يخرج الدجال حقًا ويفتح الله القسطنطينية على يد أقوام هم أولياء الله، يرفع الله عنهم الموت والمرض والسقم حتى ينزل عليهم عيسى بن مريم عليه السلام فيقاتلون معه الدجال([10]).

 

المتابعون